كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أحدهما: أنها النعم، وتقديره فبأي نعم ربكما تكذبان، قاله ابن عباس، ومنه قول طرفة:
كامل يجمع الآلاء الفتى ** بيديه سيد السادات خصم

الثاني: أنها القدرة، وتقدير الكلام فبأي قدرة ربكما تكذبان، قاله ابن زيد، والكلبي.
وفي قوله ربكما إشارة إلى الثقلين الإنس والجن في قول الجميع.
وقد روى محمد بن المنكدر عن جابر قال: «قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الرحمن حتى ختمها ثم قال: مِا لِي أَرَاكُم سُكُوتًا؟! الجِنُّ أَحْسَنُ مِنكُم رَدًا، كُنتُ كُلَّمَا قرأتُ عَلَيهِم الأَيةَ {فَبَأَيِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} قالوا: وَلاَ بِشَيءٍ مِن نِّعَمِكَ رَبَّنَا نُكّذِّبُ فَلَكَ الْحَمْدُ».
وتكرارها في هذه السورة لتقرير النعم التي عددها، فقررهم عند كل نعمة منها، كما تقول للرجل أما أحسنت إليك حين وهبت إليك مالًا؟ أما أحسنت إليك حين بنيت لك دارًا، ومنه قول مهلهل بن ربيعة يرثي أخاه كليبًا:
على أن ليس عدلًا من كليب ** إذا ما ضيم جيران المجير

على أن ليس عدلًا من كليب ** إذا خرجت مخبأة الخدور

{خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَاْلْفَخَّارِ} فيه خمسة أقاويل:
أحدها: أنه الطين المختلط برمل، قاله ابن عباس.
الثاني: انه الطين الرطب الذي إذا عصرته بيدك خرج الماء من بين أصابعك، وهذا مروي عن عكرمة.
الثالث: أنه الطين اليابس الذي تسمع له صلصلة، قاله قتادة.
الرابع: انه الطين الأجوف الذي إذا ضرب بشيء صلّ وسُمِع له صوت.
الخامس: أنه الطين المنتن، قاله الضحاك، مأخوذ من قولهم صلَّ اللحم إذا أنتن.
والمخلوق من صلصال كالفخار هو آدم عليه السلام.
قال عبد الله بن سلام: خلق الله آدم من تراب من طين لازب، فتركه كذلك أربعين سنة، ثم صلصله كالفخار أربعين سنة، ثم صوره فتركه جسدًا لا روح فيه أربعين سنة، فذلك مائة وعشرون سنة، كل ذلك والملائكة تقول سبحان الذي خلقك، لأمر ما خلقك.
{وَخَلَقَ الْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارِ} فيه خمسة أقاويل:
أحدها: أنه لهب النار، قاله ابن عباس.
الثاني: خلط النار، قاله أبو عبيدة.
الثالث: أنه اللهب الأخضر والأصفر والأحمر الذي يعلو النار إذا أوقدت ويكون بينها وبين الدخان، قاله مجاهد.
الرابع: أنها النار المرسلة التي لا تمتنع، قاله المبرد.
الخامس: أنها النار المضطربة التي تذهب وتجيء، وسمي مارجًا لاضطرابه وسرعة حركته.
وفي الجان المخلوق من مارج من نار قولان:
أحدهما: أنه أبوالجن، قاله أبو فروة يعقوب عن مجاهد.
الثاني: أنه إبليس، وهو قول مأثور.
وفي النار التي خلق من مارجها ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها من النار الظاهرة بين الخلق، قاله الأكثرون.
الثاني: من نار تكون بين الجبال من دون السماء وهي كالكلة الرقيقة، قاله الكلبي.
الثالث: من نار دون الحجاب ومنها هذه الصواعق وترى خلق السماء منها، قاله الفراء.
{رَبُّ الْمَشْرِقْينِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} فيها ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن المشرقين مشرق المشس في الشتاء والصيف، والمغربين مغرب الشمس في الشتاء والصيف، قاله ابن عباس.
الثاني: أن المشرقين مشرق الشمس والقمر، والمغربين مغربهما.
الثالث: أن المشرقين الفجر والشمس، والمغربين الشمس والغسق وأغمض سهل بن عبد الله بقول رابع: ان المشرقين مشرق القلب واللسان، والمغربين مغرب القلب واللسان.
{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} أما البحران ففيهما خمسة أوجه:
أحدهما: أنه بحر السماء وبحر الأرض، قاله ابن عباس.
الثاني: بحر فارس والروم، قاله الحسن، وقتادة.
الثالث: أنه البحر المالح والأنهار العذبة، قاله ابن جريج.
الرابع: أنه بحر المشرق وبحر المغرب يلتقي طرفاهما.
الخامس: انه بحر اللؤلؤ وبحر المرجان.
وأما {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} ففيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: تفريق البحرين، قاله ابن صخر.
الثاني: إسالة البحرين، قاله ابن عباس.
الثالث: استواء البحرين، قاله مجاهد.
وأصل المرج، الإهمال كما تمرج الدابة في المرج.
{بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبغِيَانِ} في البزخ الذي بينهما أربعة أقاويل:
أحدها: أنه حاجز، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه عرض الأرض، قاله مجاهد.
الثالث: أنه ما بين السماء والأرض، قاله عطية، والضحاك.
الرابع: أنه الجزيرة التي نحن عليها وهي جزيرة العرب، قاله الحسن، وقتادة.
وفي قوله: {لاَّ يَبْغِيَانِ} ثلاثة أقاويل:
أحدها: لا يختلطان لا يسيل العذب على المالح ولا المالح على العذب، قاله الضحاك.
الثاني: لا يبغي أحدهما على صاحبه فيغلبه، قاله مجاهد، وقتادة.
الثالث: لا يبغيان أن يلتقيا، قاله ابن زيد، وتقدير الكلام، مرج البحرين يلتقيان لولا البرزخ الذي بينهما أن يلتقيا.
وقال سهل: البحران طريق الخير وطريق الشر، والبرزخ الذي بينهما التوفيق والعصمة.
{يَخْرُجُ مِنْهُمَا الَّلؤلُؤ وَالْمَرْجَانُ} وفي المرجان أربعة أقاويل:
أحدها: عظام اللؤلؤ وكباره، وقاله علي وابن عباس، ومنه قول الأعشى:
من كل مرجانة في البحر أخرجها ** تيارها ووقاها طينة الصدف

الثاني: أنه صغار اللؤلؤ، قاله الضحاك وأبو رزين.
الثالث: أنه الخرز الأحمر كالقضبان، قاله ابن مسعود.
الرابع: أنه الجوهر المختلط، مأخوذ من مرجت الشيء إذا خلطته وفي قوله: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا} وجهان:
أحدهما: ان المراد أحدهما وإن عطف بالكلام عليهما.
الثاني: أنه خارج منهما على قول ابن عباس أنهما بحر السماء وبحر الأرض، لأن ماء السماء إذا وقع على صدف البحر انعقد لؤلؤًا، فصار خرجًا منهما.
وفيه وجه ثالث: أن العذب والمالح قد يلتقيان فيكون العذب كاللقاح للمالح فنسب إليهما كما نسب الولد إلى الذكر والأنثى وإن ولدته الأنثى، ولذلك قيل إنه لا يخرج اللؤلؤ إلا من موضع يلتقي فيه العذب والمالح.
{وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَئَاتُ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلاَمِ} أما الجواري فهي السفن واحدتها جارية سميت بذلك لأنها تجري في الماء بإذن الله تعالى، والجارية هي المرأة الشابة أيضًا سميت بذلك لأنه يجري فيها ماء الشباب.
وأما المنشآت ففيها خمسة أوجه:
أحدها: أنها المخلوقات، قاله قتادة مأخوذ من الإنشاء.
الثاني: أنها المحملات، قاله مجاهد.
الثالث: أنها المرسلات، ذكره ابن كامل.
الرابع: المجريات، قاله الأخفش.
الخامس: أنها ما رفع قلعه منها وهي الشرع فهي منشأة، وما لم يرفع ليست بمنشأة، قاله الكلبي.
وقرأ حمزة {الْمُنشَئَاتُ} بكسر الشين، وفي معناه على هذه القراءة وجهان:
أحدهما: البادئات، قاله ابن إسحاق والجارود بن أبي سبرة.
الثاني: أنها يكثر نشًا بجريها وسيرها في البحر كالأعلام، قاله ابن بحر.
وفي قوله: {كَالأَعْلاَمِ} وجهان:
أحدهما: يعني الجبال سميت بذلك لارتفاعها كارتفاع الأعلام، قاله السدي. قالت الخنساء:
وإن صخرًا لتأتم الهداة به ** كأنه علم في رأسه نار

الثاني: أن الأعلام القصور، قاله الضحاك.
{يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَواتِ وَالأَرْضِ} فيه قولان:
أحدهما: يسألونه الرزق لأهل الأرض فكانت المسألتان جميعًا من أهل السماء وأهل الأرض، لأهل الأرض، قاله ابن جريج وروته عائشة مرفوعًا.
الثاني: أنهم يسألونه القوة على العبادة، قاله ابن عطاء، وقيل إنهم يسألونه لأنفسهم الرحمة، قاله أبو صالح.
قال قتادة: لا استغنى عنه أهل السماء ولا أهل الأرض، قال الكلبي: وأهل السماء يسألونه المغفرة خاصة لأنفسهم ولا يسألونه الرزق، وأهل الأرض يسألونه المغفرة والرزق.
{كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} فيه قولان:
أحدهما: أنه أراد شأنه في يومي الدنيا والآخرة، قال ابن بحر: الدهر كله يومان: أحدهما: مدة أيام الدنيا، والآخر يوم القيامة، فشأنه سبحانه في أيام الدنيا الابتلاء والاختبار بالأمر، والنهي، والإحياء، والأمانة، والإعطاء، والمنع، وشأنه يوم القيامة الجزاء، والحساب، والثواب، والعقاب.
والقول الثاني: أن المراد بذلك الإخبار عن شأنه في كل يوم من أيام الدنيا.
وفي هذا الشأن الذي أراده في أيام الدنيا قولان:
أحدهما: من بعث من الأنبياء في كل زمان بما شرعه لأمته من شرائع الدين وكان الشأن في هذا الموضع هو الشريعة التي شرعها كل نبي في زمانه ويكون اليوم عبارة عن المدة.
القول الثاني: ما يحدثه الله في خلقه من تبدل الأحوال وإختلاف الأمور، ويكون اليوم عبارة عن الوقت.
روى مجاهد عن عبيد بن عمير قال: كل يوم هو في شأن، يجيب داعيًا، ويعطي سائلًا، ويفك عانيًا، ويتوب على قوم، ويغفر لقوم.
وقال سويد بن غفلة: كل يوم هو في شأن، هو يعتق رقابًا، ويعطي رغابًا، ويحرم عقابًا.
وقد روى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «{كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} مِن شَأَنِهِ أَن يَغْفِرَ ذَنبًا، وَيَفْرِجَ كَرْبًا، وَيَرَفَعَ قَومًا، وَيَضَعَ آخَرِينَ».
{سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلاَنِ} فيه وجهان:
أحدهما: أي لنقومن عليكم على وجه التهديد.
الثاني: سنقصد إلى حسابكم ومجازاتكم على أعمالكم وهذا وعيد لأن الله تعالى لا يشغله شأن عن شأن، وقال جرير:
الآن وقد فرغت إلى نمير ** فهذا حين كنت لها عذابًا

أي قصدت لهم، والثقلان الإنس والجن سموا بذلك لأنهم ثقل على الأرض.
{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقطَارِ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ} فيه وجهان:
أحدهما: إن استطعتم أن تعلموا ما في السموات والأرض فاعلموا، لن تعلموه إلا بسلطان، قاله عطية العوفي.
الثاني: إن استطعتم أن تخرجوا من جوانب السموات والأرض هربًا من الموت فانفذوا، قاله الضحاك.
{لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ} فيه ثلاثة أوجه: